تمنُّع أو سماح الكيان لبيع منظومات (دفاع ٍ) للعُربانِ| قراءة في الموقف والمعاني|

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

تمنُّع أو سماح الكيان  لبيع منظومات (دفاع ٍ) للعربانِ

قراءة في الموقف والمعاني  

بقلم: الخبير العسكري والأمني/
عبد الله أمين  

07 02 2022

أولاً: الموقف:  

نقل المحلل العسكري لصحيفة " معاريف " ألون بني ديفيد في تاريخ 28 01 2022 عن الأجهزة الأمنية عدم رغبتها في بيع منظومات دفاع جوي، من أهمها " القبة الحديدية " و " مقلاع داوود " للإمارات العربية، مشيراً إلى عدم الرغبة في بيع هذه المنظومات إلى دول تجمعها بالكيان علاقات سياسية مستجدة والتي منها: المغرب والسودان والبحرين، كما نقل " بن ديفيد " عن قائد الدفاع الجوي الإسرائيلي السابق والمتحدث الحالي باسم الجيش الإسرائيلي " ران كوخاف " دعوته للانتقال من " الدفاع الشخصي إلى الدفاع الإقليمي "، ثم عادت وسائل الإعلام المعادية، نشر أخبار واكبت زيارة رئيس الكيان " إسحاق هرتسوغ " إلى الإمارات العربية،  تفيد بأن المؤسسة السياسية الإسرائيلية وافقت على بيع منظومات دفاع جوي لدولة الإمارات، الأمر الذي يستدعي قراءة لهذا الموقف، الذي راوح بين التمنع ثم السماح، وسبر غور دلالاته والغايات، التي يرجوها الكيان من مثل هذه الصفقات مع هذه الدول.  

ثانياً: الدلالات:  

إن القراءة المتأنية لهذا الموقف يمكن أن يُستنتج منها الدلالات الآتية؛ آخذين بعين الاعتبار ما يعوّل عليه هذا الكيان من أهمية لعلاقاته مع هذه الدول فيما يخص تأمين بعض متطلبات ( أمنه )، وتهيئة البيئة العملياتية لقواته الجوية، في دائرة التهديد الثالثة التي رسمها حول نفسه، الأمر الذي يحمل على طرح أسئلة كثيرة، حول سبب هذا التمنع ثم السماح، في الوقت الذي يفرض الموقف توسعاً في التعاون والتشارك، مع هذه الدول في المجالين الأمني والعسكري!! الأمر الذي يحملنا على الاعتقاد أن من دلالات هذا القرار أو الموقف ما يأتي:  

1. عدم الثقة التامة في مستقبل هذه الأنظمة: 
  بغض النظر عما يجمع هذا الكيان من علاقات مع هذه الأنظمة؛ فإنه يعتقد أن علاقاته ( وصداقاته ) و ( سلامه ) الموهوم معها لا يعدو أن يكون سلاماً بين أنظمة وليس سلاماً بين الشعوب، سلاماً  بينه وبين الطبقة السياسية الحاكمة لهذه الدول، وأن مآل هذه العلاقات وعمرها لن يكون طويلاً، ولو ترك الخيار لأهل هذه الدول وشعوبها؛ لما عقد معها سلاماً ولا أقام صداقات، وعليه فإنه يخشى أن تؤول هذه المنظومات في قادم الأيام إلى أيادٍ تناصبه العداء ولا تقيم وزناً لما عقد من عقود ووقع من اتفاقات، ولنا في اتفاقية سلامهِ مع النظام المصريّ خير دليل، فبعد عشرات السنين من توقيع تلك الاتفاقية؛ لا يزال الشعب المصري ينظر إلى هذا الكيان بعين العداء، ويرى فيه نقيضاً يجب التخلص منه، مع ما يقيمه هذا الكيان من علاقات وصداقات مع نظام مصر وإدارتها الحاكمة، وصلت إلى الحد الذي توصف فيه الإدارة المصرية بأنها ذخرٌ استراتيجيٌّ للكيان.  

2. عدم وجود قرار فعليّ لدى هذه الدولة في مشاركة العدو في أي عمل تعبويّ معادٍ:  
كما يمكن أن يستدل من هذا التمنع ثم السماح على أن هذا الكيان مع ما أقامه من علاقات مع هذه الدول؛ إلا أنها إلى الآن لم تصل معه إلى المستوى الذي تتمكن فيه من مشاركته في أي أعمال تعبوية معادية لأي من دول المنطقة، فلا هي مستعدة أن تشارك في الأعمال العدائية التي يشنها هذا الكيان على بعض دول المنطقة، ولا هي مستعدة أيضاً أن تكون أراضيها منطلقاً لأي عدوان، قد يجر عليها رد فعلٍ غير معروف العواقب، خاصة وأن الدولة المعنية أكثر من غيرها بمثل هذه الصداقات والتحالفات، وترى فيها تهديداً على أمنها القوميّ ( إيران ) أرسلت رسائل متعددة إلى هذه الدولة خلاصتها أنها لن تكون في مأمن من أي رد فعل عسكري على أي عمل ينطلق من أراضيها ضد الأراضي الإيرانية ومصالحها في المنطقة، وقد قرنت إيران هذا القول بما يثبت مصداقيته بالأفعال في أكثر من مرة وفي أكثر من جغرافيا. 
   

3. تخوف من اختراق أعدائه لهذه الأنظمة مما يعني تسريب معلومات:
 إن هذه الدول التي جاء الخبر على ذكرها ـ الإمارات، البحرين، السودان ــ كانت وما زالت ـ خاصة الإمارات ـ تجمعها بألد أعداء هذا الكيان ـ إيران ــ  علاقات سياسية وتجارية واجتماعية ممتدة وضاربة في القدم، الأمر الذي مكّن ويمكّن إيران من أن يكون لها في هذه الأنظمة (حصص )، و لديها فيها مصادر معلومات وخلايا عمل ميداني، وتجمعها بكثير من شخوص ووجهاء تلك الدول علاقات يمكن من خلالها أن تستقي معلومات ومعطيات حول هذه الأنظمة القتالية؛ مما يشكل خطراً على أمن التشغيل لهذه المنظومات فيما لو عرفت نقاط قوتها وضعفها والمديات التي يمكن أن تغطيها وتلك الخارجة عن قدرتها.  

4. الخوف من الانتقال الفيزيائي لهذه المنظومات إلى دول معادية: 
إن أسوأ ما يمكن أن يتخيله هذا العدو، هو انتقال    هذه المنظومات فيزيائياً إلى دولٍ معادية وعلى رأسها إيران، فوجود هذه الأنظمة منشورة بالقرب من الأراضي الإيرانية يعني أنها عرضة للتخريب أو السرقة، وهذا سيناريو وإن بدا للبعض أنه خياليّ، إلا أن الأجهزة الأمنية المكلفة حماية هذه المنظومات، تضعه ضمن مجموعة التهديدات التي تعترضها، لذلك لا يستبعد حدوثه، ولنا في قصة الطيار العراقي  

"منير جميل حبيب روفا  "الذي هبط بطائرة الميغ 21 في تل الربيع عام 1966 خير مثال على مثل هذه المواقف، ودبي و أبو ظبي أو البحرين لا تبعد عن إيران سوى ( مقرط عصا )، وعدو للكيان كإيران، يملك جرأة اتخاذ قرار ضرب قاعدة عين الأسد الأمريكية؛ لن تعوزه جرأة محاولة تخريب أو نقل هذه الأنظمة أو بعضها إلى إيران.  

كانت هذه بعض الدلالات السريعة حول  تمنع الكيان ابتداءً ثم سماحه انتهاءً لبيع هذه المنظومات القتالية لتلك الدول في حال قرر توسيع عمليات البيع  تلك، الأمر الذي يرمي من خلاله العدو لتحقيق بعض الغايات، والتي من أهمها:  

ثالثاً: الغايات:  

إن أهم غاية ينشدها العدو  هي: تطوير التعاون مع هذه الدول من دفاعٍ شخصيّ إلى دفاعٍ إقليميّ  كما جاء على لسان المتحدث باسم الجيش العميد " ران كوخاف "  كون هذا الحلف وتلك الاتفاقيات الدفاعية أكثر جدوى وفائدة للعدو بحيث تؤمن له المصالح التالية:  

1. تشارك أكثر في المعلومات:
 إن أبجديات أي تحالف أو تعاون عسكري أو أمني بين طرفين هو التبادل المعلوماتي، والمشاركة في المعطيات الميدانية في المستويات الاستراتيجية والعملياتية، الأمر الذي يوفر للعدو مصادر معلومات ومعطيات من خلال تلك الدول، أو من خلال ما يمكن أن ينشره فيها من قدرات جمع  فنية  عن أعدائه وخصومه في المنطقة وعلى رأسها إيران وغيرها من الدول، وهي معلومات لا يمكن أن تتوفر في حال بقائه غائباً عن المشهد الميداني ولا يدير جزئياته بذاته.  

2. ربط الأنظمة الدفاعية في المنطقة بعضها ببعض: 
كما أن هذا التعاون الدفاعي الإقليمي يوفر للعدو إمكانية ربط أنظمة دفاعه الجوي مع أنظمة الدفاع الجوي لهذه الدول، مما يعني زيادة مساحة سيطرته العملياتية على مسرح العمليات، وهذا أمر يعطيه هامش مناورة أكبر في حال أراد تنشيط عمله ضد إيران خصوصاً كونها العدو الرئيسي له في المنطقة، وباقي أعدائه في المنطقة عموماً.  

3. تقسيم الأدوار والمهمات في المتطلب التعبوي للعمليات: 
 كما يمكّن هذا التعاون الدفاعي الإقليمي من التوافق على مهمات وعمليات مشتركة، تتقاسم فيه الأطراف المهام والمسؤوليات، بحيث يصبح ما هو صعب من الناحية التعبوية على أي منها منفرداً، قابلاً للتنفيذ في حال تمت التجزئة وتوزيع الأدوار على باقي الشركاء والحلفاء.    

4. فتح أجواء تلك الدول أمام النشاطات الجوية للعدو: 
ومثل هذا التعاون الدفاعي الإقليمي، يفتح الأجواء أمام العدو بحيث يصل سلاح جوه إلى أقصى الشمال الشرقي للجزيرة العربية، وكذا إلى المناطق الشرقية من البحر الأحمر، حيث السودان، ومثل هذه الحركة تعطي طياري العدو الخبرات اللازمة لأي عمل متصوَّر ضد المنشآت النووية ومراكز الثقل السياسية والاقتصادية والعسكرية الإيرانية،كما أن التعاون هذا يتيح للعدو إمكانية عمل محطات جوية مطلوبة لوصول سلاح جوه ــ  المأهول والمُسيَّر ـ إلى  عمق الأراضي الإيرانية.  

رابعاً: التوصيات:  

1. متابعة تطور علاقات العدو مع هذه الأنظمة  ورصد كل جزئياتها.  

2. التفكير المشترك بين الجهات ـــ دول وجماعات ـــ  المتضررة من تطور هذه العلاقات ليُبنى على الشيء مُقتضاه.  

3. نقل العلاقات بين تلك الجهات المتضررة من طور التنظير والتفكير؛ إلى مستوى التحضير للتفعيل.  





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023